يمرّ العالم بتغيّر مستمر ومتسارع وتقدّم
في شتى جوانب الحياة، وتطوّر متلاحق في مجالات العلم والمعرفة؛ الأمر الّذي يتطلّب
مواكبة له تعليما وتدريبًا يسهم في مسايرة الجديد، ومواجهة تحديات العصر،
فالتّدريب حلقة وصل بين ما يحدث من تقدّم وتغيّر والعنصر البشريّ.
ويشغل التّدريب مكان الصّدارة في قضايا
التّنمية البشريّة، له هدفه المتمثّل في تنمية قدرات الأفراد والمنظّمات والمجتمع،
واستثمارها وفق معايير الكفاية والفاعليّة، وقد أصبح من الصّعب تزويد الأفراد في أثناء
فترة إعدادهم وقبل التحاقهم بمجالات العمل، بكلّ ما يحتاجونه من معارف ومعلومات،
ومهارات وخبرات، يتطلّبها النّجاح في مجال أعمالهم، مهما طالت مدّة إعدادهم؛ لذلك كان
لزامًا على كلّ من يريد أن يحسّن من مستوى أدائه في عمله، ويواكب التّطور العلميّ
السّريع ويلاحق التّقدم في مجال تخصّصه عليه أن يتلقّى تربية مستمرّة، تدريبًا متلاحقا
في أثناء الخدمة يُسهم في التّنمية المهنيّة لديه.
ويشكلّ التّدريب في أثناء الخدمة في
الوقت الحاضر ضرورة لازمة في جميع المهن والوظائف والقطاعات، وفي مهنة التّعليم
يشكّل ضرورة أكثر إلحاحا وأشدّ أهمّــيّة، حيث إنّ المعلّم يواجه مطالب التّغيرات الاقتصاديّة
والاجتماعيّة، وما يصحبها من تغيّرات ثقافيّة نتيجة مباشرة لتطوّر العلوم، وتراكم
المعرفة، وتقدّم التقنية أصبح في حاجة ماسّة إلى مواصلة الإعداد عن طريق التّدريب
المستمرّ في أثناء الخدمة؛ حتّى لا يصيبه الصّدأ العلميّ أو الثّقافيّ، وحتى لا
تزداد الفجوة بين جيله وجيل طلاّبه، ويستطيع ملاحظة ما يطرأ حوله من تغيّرات،
وتحديات في المجتمع، أو في نظام التّعليم من حيث شكله ومضمونه، ويتلافى المعوّقات
الّتي تواجه مهنة التّعليم.
ويعدّ تدريب المعلّم في أثناء الخدمة
عمليّة مستمرة لإعادة بناء الخبرة، الّتي يتمّ فيها إعادة تشكيله لفهم ممارسات
العمليّة التّعليميّة، وهو أمر جوهريّ وأساسيّ في مجتمع سريع التّغيّر، نظرًا
لأنّه يؤدّي إلى تنمية خلفيّاتهم وخبراتهم المهنيّة، كما يؤدّي إلى تحسين أدائهم،
وتغيير سلوكهم، من التّدريس المعتاد إلى التّدريس الفعّال.
ويمثّل تدريب العلّمين في أثناء الخدمة
تربية مستمرّة للمعلّم من بداية دخوله المهنة حتّى خروجه منها وهذا يعني أنّ تربية
المعلّم لا تنتهي بانتهاء مرحلة الإعداد قبل الخدمة في كليات التّربية، بل تدوم
وتستمرّ طيلة حياته المهنيّة وذلك من أجل الإلمام بكلّ مستحدَث في مجال التّربية
وعلم النّفس والمجال الأكاديميّ، ولإتقان واستعمال ما تبتكره تقنيات التّعليم من
موادّ تعليميّة وطرق تدريس جديدة للوقوف على ما يطرأ من تغيّرات وتطوّرات
اجتماعيّة واقتصاديّة وسياسيّة.
وهنا يمكن أن نقول للمعلّم اجعل التّدريب
أوّلًا؛ لتلاحق الجديد، وتأتي بالمفيد في عالم يسعى لتحقيق رؤى مستقبليّة تنهض
بالحياة إلى الأفضل.
